نـظـرات (قصة قصيرة)

نـظـرات





نظــرات
تعتصر قلبه حزمة من المشاعر وهو يري نفسه غريبا في أرضه ، ها هم الأطفال حوله يلعبون ويمرحون ويسبحون فيهم الأشقر و الأحمر والأصفر لا يجمع هؤلاء إلا براءة الوجوه ونضارتها، ويرمق أخاه وهو يدور علي مظلات الشاطئ بالماء البارد والمثلجات وقد شحب وجهه , ليس في وجهه أي أمارة تحمل النفس علي العطف عليه رغم أنه أفقر هؤلاء إلي العطف و أكثرهم حرمانًا من الحنان ،يلعب الأطفال ويشقي هو يأوي الأطفال إلي والديهم ولا يأوي هو إلا إلى فراش خشن فقد تيتم مبكراً منذ أن قتل والداه عند الحاجز المشئوم، قتلهما رجل مثل الجاثم علي هذا الشاطئ ،نفس الطاقية القصيرة نفس اللحية ، نفس الملامح القاسية ومكتوب بين عينيه (سفاح) وفوق الحاء ضمة تؤكد أن الكلمة مبتدأ وخبر وفاعل وأحياناً … نائب فاعل،لم يراه حسن في يوم ما مفعول به ، يتجه حسن إلي ربه داعيا: اللهم لا تجعل منيتي علي يديه فما أبشع أن يأكل لحمي خنزير
ويضع حسن كلتا يديه علي عينيه عسي أن يبعد صورة ما عن مخيلته .
وتتفجر الأسئلة من جديد… ما هذه البراءة الزائدة علي وجه هذا الطفل الصغير القاعد بجوار السفاح ؟؟؟ تري هل يكون هذا البريء ابناً للسفاح؟!!! هل سيصير هذا الطفل مثل أبيه ؟ تري لو مات هذا الطفل هل سيحترق قلب أبيه عليه مثل باقي البشر ؟
تنهد حسن وخرج منه زفير الضيق والغضب المكتوم : والله لو مات هذا الطفل لكان خير له ، فلماذا يعيش هو وأفني أنا وأخي الصغير؟؟؟ يرضعه أبواه من دمانا حتى إذا صار يافعاً وأراد أن يثبت رجولته تسلل خفية وقتل منا حتى ترتوي نفسه … آااه ……… لو كانت النظرات قاتلة… آااه …… آااه لو كانت …لقتلت الكثير والكثير آااه … لقتلت هذا الطفل وحرقت قلب أبيه ……… لو كانت قاتلة .
لم يفق من سكرته إلا علي صراخ الطفل :أبى……… أنقذوني ……… إني أغرق
هتف حسن : يا لها من كارثة …هل قتلته نظراتي بالفعل؟؟؟ إنها مصيبة
وإذا الأب يدور حول نفسه كمن لسعته حية فها هو يتناول بندقيته ثم يجري ثم يرجع، البندقية لا تنقذ غريق والماء لن يترك الطفل مهما أطلق عليه من رصاص
حسن: رباه………… لم أقتله ………… وعزتك وجلالك لم أقتله، ودمعت عين حسن وأضطرب وجري وألتقط عوامة معلقة من أحد المظلات المجاورة ،فقامت إليه امرأة وشدت منه العوامة بعنف وكأنها ضنت بها أن تضيع ولكن لما رأت المرأة حسن حازما في قبضه علي العوامة تركتها .
اخذ حسن يصارع الأمواج بكلتا يديه ويضرب البحر برجليه وما كان يجيد السباحة واخذ يصارع البحر فترد عليه الأمواج بصفعات في وجهه حتى وصل بعد جهد إلى موضع الطفل الذي يستغيث وقد فغر فاه والماء يملأ فمه ، تعلق الطفل بعنق حسن وتشبث بها وكاد يكسرها وبعد جهد استطاع حسن أن يقنع الطفل بالإمساك بالعوامة بالشكل الصحيح وما أن أمسك به حتي عاجلتهما موجة عاتية دفعت بالطفل دفعة قوية تجاه الشاطئ وأطاحت بحسن ، وأخذ حسن يصيح ويصارع الموت كلما ارتفع رأسه قليلا ضربته موجه عاتية , وظل حسن يضرب البحر بكلتا يديه حتى وهنت قواه وخبا صوته المستغيث بلا جدوي.
(تمت)
كتبت في نهاية سبتمبر 2001


__________________

تعليقات

التسميات

عرض المزيد