عرض و تلخيص لكتاب سر تقدم الانجليز السكسونيين
سر تقدم الانجليز السكسونيين (المقصود العنصر السكاني الذي يتشكل منه الاغلبية في بريطانيا و امريكا و كندا و استراليا و نيوزيلاندا)
هذا عرض موجز جدا لكتاب اعتبره مهم للغاية لكل المهتمين بشئون النهضة و التربية و العمل العام
الكتاب من تاليف عالم اجتماع فرنسي اسمه ادمون ديمولان الف هذا الكتاب عام 1897 في محاولة لرصد نقاط تفوق الانجليز على الفرنسيين
و الكاتب يحذر الفرنسيين ان لم يغيروا نظمهم التربوية و التعليمية من التخلف و انهم سوف يصبحون مثل عرب شمال افريقيا في ذيل الامم
الكاتب هنا لا يقصد الانجليز بمعنى اهل انجلترا و انما يقصد العنصر السكسوني الذي يشمل الامريكان ايضا
و قد تنبا الكاتب بالكثير من احداث القرن التالي لتاليف الكتاب و اتت معظم تنبؤاته في محلها تماما
و هي تنبؤات بنيت كلها على عوامل موضوعية حيث يرى المؤلف ادمون ديمولان ان التربية الاستقلالية هي سر تقدم المجتمعات و الدول
و اخذ المؤلف ينظر بهذا المنظار للامم المختلفة حتى استخرج تنبؤاته التي لم تعتمد على تصنيف الامم وفق ثرواتها او تسليحها او غناها او فقرها
كما اسند تخلف العرب الى تواكلهم كما حذر من انهيار فرنسا ان هي استمرت في انظمتها التعليمية و التربوية التي تدعم التواكل
و قد اتى الكتاب بردود فعل قوية هزت المجتمع الفرنسي حيث انتشر الكتاب و طبع عدة طبعات و استقبله الجمهور استقبال حسن و اسست عدة مدارس على وفق مبادئ مؤلف الكتاب خوفا من ان تواجه فرنسا مصيرا مؤلما و كان مما اخاف الفرنسيون ان يصيروا مثل العرب
الكتاب من ثلاثة ابواب رئيسية
الفرنسيون و الانجليز في المدرسة
الفرنسيون و الانجليز في الحياه الخاصة
الفرنسيون و الانجليز في الحياه العامة
هل التعليم الفرنسي يربي رجالا ؟
الفرنسيون من وجهة نظر ديمولان 1897 يتعلمون من اجل الحصول على الوظيفة
الوظائف محدودة و المتعلمون كثر
كما ان التوسع في التعليم و هو امر مرغوب و واجب لترقية الامة الا انه يتحول الى كارثة عندما يكون هدف التعليم هو الاعداد للوظيفة او المهنة
اذ ان الاعداد المطلوبة للوظائف قليلة بالنسبة لاعداد المتعلمين مما يؤدي الى صعوبة الامتحانات المؤدية للتوظيف لتصفية الاعداد المتقدمة
كما يصبح هدف المدرسة الاعداد لامتحانات الوظيفة فتزيد المناهج كما مع زيادة اعداد المتعلمين مما يؤدي الى سطحية التعليم و اعتماده على الحفظ بغرض التذكر في الامتحان ثم النسيان
و حتى في مجالات الدراسة النظرية نجد المتعلمين بنظام التعلم من اجل الامتحان نجدهم فقراء في مواهب البحث و التحليل اي انهم حتى في الناحية النظرية غير صالحين
كما ان الاعداد الغفيرة التي تفشل في الحصول على وظيفة عندما ترجع الى الحرف فانها تشعر بان الحرفة عنوان على فشلهم في الحصول على الهدف من التعليم مما يجعلهم مقبلين على الحرف بروح مشمئزة كما ان تكوينهم النظري و كبر سنهم بسبب ضياع سنين الصبا في التعليم النظري تحول بينهم و بين التميز الحرفي مما يجعلهم يعانون من الفشل الحرفي بالاضافة الى الشعور بمرارة ضياع فرصة التوظيف
و يرى ديمولان ان التربية و التعليم بغرض اعداد موظف انما هو نوع من التربية الاتكالية التي تعد عقل الفرد على انتظار المراكز المجهزة من قبل (وظيفة)
كما ان اهم واجبات الموظف ان يكون صبورا اذ الترقية و التقدم في الوظيفة تكون بالاقدمية
و ان التربية من اجل الوظيفة تؤدي الى ضعف الارادة و فتور الهمة و نقص المهارات و ضعف الجسد
و من الملفت للنظر ان ادمون ديمولان قد لاحظ ان ابناء الطبقات الاكثر رقيا و ثراءا في فرنسا هم الاكثر ترفا و ضعفا و فتورا في الهمة و ان الطبقات الفقيرة هم الاكثر اقداما و جراة على الاستقلال و الاعتماد على الذات و اشد صلابة و ذلك بسبب ان الطبقات الغنية تاخذ حظها من التعليم النظري من ناحية و تبعد ابنائها عن ملامسة مشكلات الحياه و الاعتماد على النفس في سن مبكرة
و بالتالي يحدث انقسام في المجتمع الفرنسي حيث يكون الاكثر ثقافة و تقدما في العلم النظري و الاكثر اشتغالا بالوظائف القيادية هم من ابناء ضعف الارادة و فتور الهمة و ان هذا يهدد بزوال الحضارة و انهيار الامة (و ربما يتوافق هذا مع فهمنا للاية الكريمة (اذا اردنا ان نهلك قرية امرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا) اي جعلنا مترفيها هم الامراء فتفسد القرية و ينتهى امرها و تصير الى هلاك )
و هذا تماما ما نراه في مصر و المجتمعات العربية حاليا حيث نرى ابناء الريف البدو و الاماكن النائية البعيدة عن الخدمات التعليمية و التثقيفية نجد انهم اشد باسا و اقوى ارادة و اقوى اجسادا (رغم تفشي الامراض) بينما ابناء الطبقات الثرية و المتوسطة نجدهم اصحاب همم اقل قوة
و يرصد ادمون ديمولان وضع مختلف في التربية الانجليزية السكسونية حيث كلما ازداد الغنى و الثراء مالت الاسر الى تعليم الابناء الفروسية و كثرة الاسفار الخلوية و ترسيخ الاعتماد على النفس و بالتالي تتناسب قوة الارادة مع قوة المكانة الاجتماعية فيقود قاطرة البلاد اكثر الافراد و الطبقات قوة و اعلاهم همة و اشدهم بأسا
و انتهى ديمولان ان نظام التعليم السائد في فرنسا في وقته لا يربي رجالا
كما وضع سؤال اخر عن التعليم في المانيا ذلك النموذج الذي كان الفرنسيون يسعون جاهدين لتقليده نتيجة خوفهم من التفوق الالماني و ينتهي ديمولان الى التهوين من شان التربية و التعليم الالماني ايضا و انها لا تمثل النموذج الذي يجب ان يحتذى
هل التعليم الانجليزي يربي رجالا ؟؟؟؟
الرجولة من وجهة نظر ادمون ديمولان هي قدرة الشاب على ان ينزل الى احدى المستعمرات او البلدان النائية و ان يستطيع هذا الشاب بدون مساندة من الاهل او العشيرة او الحكومة ان يستطيع ان يكسب و يعتمد على نفسه و يحقق لنفسه حياه كريمة تزدهر مع الايام
حيث يرى ادمون ديمولان ان غاية التربية (تعويد الانسان على الاعتماد على نفسه في حياته فلا يحتاج الى طلب الرزق من غيره كما يجب ان تجعل التربية الانسان قادرا على يدور مع الزمن حيث دار بمعنى ان يستطيع مواكبة تقلبات العصر فلا يموت من الجوع ان اخترعت الة الغت وظيفته او تخلت عنه عشيرته او عائلته او حكومته )
و هو يرى ان التربية و التعليم الانجليزي السكسوني (في انجلترا و بلدان امريكا الشمالية و استراليا و نيوزيلاندا ) تهيئ تلك التربية
حتى انه يقارن بين تلك القوة الناشئة و الصاعدة في امريكا الشمالية و بين المستعمرات اللاتينية في امريكا الجنوبية و مدى تصاعد قوة الاولى و انحلال قوة الاخيرة مع ان بلدان امريكا الجنوبية هي الاكثر ثروة و ارتباطا بحكومات فرنسا و اسبانيا
و كما عبر له احد مديري المدارس الانجليزية عن فلسفته (ان الطالب ليس عقلا مجردا عن الجسم و بالتالي فان التربية يجب ان تمتد الى همة الطالب و ارادته و مهارته اليدوية و خفة حركته )
و كانت تلك المدرسة و هي مدرسة داخلية مقامة في منطقة ريفية بعيدة عن المدن بمصاريف عالية و هي لتربية ابناء الطبقات العليا و الغنية و مع ذلك تهيئ الولاد لممارسة الحياه و الاعتماد على النفس و قد اوضح ديمولان ملاحظة عن هذه المدرسة الانجليزية و هي كالتالي
ينقسم الزمن على الاعمال كالتالي :
5 ساعات اعمال عقلية (تعليم و استذكار و واجبات)
4.30 تمرينات جسمية و اشغال يدوية
2.30 اشغال صناعية و رياضات
9 ساعات نوم (النوم في التاسعة و الاستيقاظ في السادسة صباحا)
3 ساعات اكل و فسح و خلو من العمل
المجموع 24 ساعة كاملة هي عدد ساعات اليوم
و في الجملة ان اليوم ينقسم الى ثلاث اقسام
في الصباح عمل عقلي و بعد الظهر عمل يدوي في الحقول او المصانع (الاعمال اليدوية مرتبطة غالبا بما تمت دراسته نظريا)و في المساء فنون و موسيقى و رياضات عادية
و عن التربية في الامم التي تربي الفرد على الاستقلالية و الاعتماد على الذات في تحصيل المعاش يرى ان التربية تتسم بتسع سمات رئيسة
1- لا يعتبر الاب ابناءه ملك له فحب الابناء ليس نوع من حب الذات و بالتالي لا يكون فيهم محاولة الالتصاق بالابناء
فالحب لديهم هو لمنفعة الابناء لا لمنفعة الاباء
2- معاملة الاطفال على انهم رجال مسئولين عن انفسهم بينما المجتمع الفرنسي يربي ابنائه على انهم اطفال سواءا كانوا صغارا ام كبارا لمجرد انهم ابنائنا
3- تربية الابناء على ما يلائم زمانهم و ليس على تقاليد الزمن الذي كبر فيه الاباء (فلا يصح ان اربي ابني على المنافسة حتى الموت من اجل الوظائف بينما ارى اهمية الوظائف تتراجع )
4- تنمية قوة الابناء البدنية و الجسمانية و الاهتمام بذلك لتتوازن كفاءتهم الجسمانية العقلية مع قدراتهم العقلية بينما نحن (المجتمع الفرنسي في عصر ديمولان) نهتم بالتحصيل الدراسي الذي يسجن الطفل في دروسه و يقضي على نشاطه الحركي
5- تشغيل الابناء في الاعمال المادية و شغلهم بالمهارات اليدوية و ارسالهم في مشاوير و ماموريات دون خوف زائد عليهم من الضياع او الفشل
6- تعليم الابناء حرف و صنائع في سن صغيرة و عدم اعتبار ان هناك عمل شريف و اخر حقير فلا يخجل الورد الانجليزي من ان يعمل ابنه في الحقل و لا ان يشغل مساعدا او صبيا عند نجار
7- متابعة الاباء انفسهم لكل جديد في شئون مهنهم و عدم اكتفائهم بما هم عليه من مستويات معرفية
حتى ان الصحافة الانجليزية كانت في ذلك الوقت على خلاف الصحافة الفرنسية حيث تهتم الصحافة الانجليزية بشرح تطورات الالات و تحكي الوقائع دون اكثار في النظريات و بناء التحزبات و اخبار التسالي و شئون الموضة و الملابس التي كانت تسود الصحافة الفرنسية في ذلك الوقت
8- عدم استخدام السلطة الابوية الا في الامور الكبرى و ترك الابناء في امورهم البسيطة لمجرد النصح و الارشاد حتى يتعودوا تحمل مسئولية انفسهم دون قهر او قسر
9- و هو العنصر الاهم من وجهة نظر ادمون ديمولان و هو علم الابناء بان الاباء غير مسئولين عن الانفاق عليهم بعد تربيتهم
و يحذر المؤلف قومه من ان عليهم عدم الخشية من الالمان و عدم الدخول معهم في سباق تسلح و مسابقتهم في التوسع في سياسات التجنيد
حيث من وجهة نظره ان الالمان ستهلكهم افكارهم الاشتراكية و الفوضوية التي بدات تتكون و تتقدم في المجتمع الالماني
بينما يجب على الفرنسيين الخشية من المنافس القادم م خلف بحر المانش انه المنافس الانجليزي و الساكسوني بكافة اشكاله (الانجليزي او الامريكي )
ذلك المنافس الذي لا يدخل المعركة بجيشه و اسلحته و انما بقوته الشخصية و محراثه على كتفه
الباب الثاني
الفرنسي و الانجليزي السكسوني في حياتهما الخصوصية
1- طريقة التربية الفرنسية تقلل المواليد (خشية الانفاق على الابناء لان الاباء ملزمين بالانفاق على الابناء حتى يكبروا و مسئولين عن تامين مستقبلهم بعد كبرهم و تزويجهم ايضا)
و للمؤلف صولات و جولات و احصائيات في هذا الشان
2- التربية الفرنسية التواكلية مضرة بثروات الامة و مصالحها المالية
حيث يرى المؤلف ان اهتمام الفرنسيين بالوظائف و المهن و الاعمال الادبية جعلهم بعيدين عن مصادر و منابع توليد الثروة (الزراعة و الصناعة و التجارة ) و ان ثروات الفرنسيين تميل الى ان تكون اموال سائلة و منقولة و واوراق مالية في اسواق المال و البورصات
و يرى الكاتب ان المال الفرنسي السائل و المنقول هو من مول اكبر مشروعين في القرن الـ19 و هو قناة السويس و خليج بنما و قد الت ملكية و ادارة قناة السويس الى الانجليز السكسونيين و تنبا بان مشروع خليج بنما ايضا سيئول قريبا الى الامريكان و هم من العنصر السكسوني ايضا و بالتالي اصبحت ثروات فرنسا المنقولة في خدمة العنصر السكسوني ففرنسا تمول و الانجليز يجنون الارباح
كما ان الجيش الفرنسي يحتل الدول و المستثمرين الانجليز هم من يجنون حصيلة الاستعمار الفرنسي اكثر من الفرنسيين انفسهم
بينما الاغنياء في انجلترا و امريكا لا يزالون يشتغلون بالزراعة و ينفقون الاموال في تحسينها و يفضلون سكنى الارياف في وسط املاكهم الزراعية و حقولهم و مشروعاتهم الصناعية و التجارية بينما يسكن اغنياء فرنسا في المدن بعيدين عن الزراعة و تحسينها
حيث يستثمر اغلب الاغنياء الفرنسيين اموالهم في البورصة لذا تنمو فيهم بذور المرابين اليهود و تزيد وطأتهم و سيطرتهم مقابل ضعف تاثيرهم في ذلك الوقت في انجلترا و امريكا و استراليا و نيوزيلاندا حيث يستثمر الاغنياء اموالهم بانفسهم و لا يجلسون في القصور ينتظرون الفوائد
كما تكثر الهجرة بين ابناء الانجليز لاستكشاف الاراضي الجديدة و زراعتها بينما الفرنسي لا يهاجر الا من اجل وظيفة مرموقة توفرها له حكومته
3- التربية الانجليزية السكسونية تشجع على التزاحم في الحياه
التربية الانجليزية و بسبب تشجيعها على ممارسة الحرف و المهن و استقلال المعيشة فتجد الطبقات الراقية تسكن الارياف و لا تانف منها مما ادرى الى ان الارياف لا تقل في مستواها الحضاري عن المدن ان لم تكن افضل و اخذ الكاتب يقارن في صفحات طوال بين الريف الانجليزي النظيف و المتحضر و بين الريف الفرنسي البعيد عن الحضارة و المعادي للنظافة و التعليم بسبب نزيف المتعلمين تجاه المدن مما يؤدي الى خسارة الريف الفرنسي لابنائه المتعلمين و كذلك خسارتهم ايضا لانفسهم حيث يقيمون في احياء الفقراء بالمدن فيصيرون عبئا على المدينة و نزيفا للريف
(يذكرنا هذا بما نراه في مصر من نزوح و هجرة من الريف الى المدينة ما يؤدي الى تخلف دائم للريف و انفجار دائم في العشوائيات حول المدن )
و يرى المؤلف ان رجل الاستقلال لا يميل الى الاهتمام بالسياسة كما يميل رجل الاتكال لها
حيث ان رجل الاستقلال كل ما يهمه ان يخلص من كل قيد يحول بينه و بين تجاراته او زراعته او صناعته و بالتالي يسعى للتخلص من قيود الاستبداد و من ضرائب الحكومة على ان يقتصر دور الحكومة على توفير الحد المناسب من الامن و الادوار الاساسية التي لا يستطيع الافراد القيام بها و في المقابل لا يطالب الحكومة باي مطالب من شانها ان تدفعها للتدخل في نشاطه(شعاره تجاه الحكومة يا نحلة لا تقرصيني و لا عاوز منك عسل)
ثم يعرض المؤلف في فصل طويل و طريف عن الفرق في نظرة الاستقلالي الانجليزي للمسكن و نظرة الاتكالي في ارياف و مدن فرنسا للمسكن و الفرق في الاثاثات و في الانتقال بين المساكن و في الارتباط بالريف و الحضر و مدى نظافة البيوت الانجليزية و قذارة البيوت الايرلندية و قذارة البيوت في الريف الفرنسي
الباب الثالث
الفرنسي و الانجليزي السكسوني في المعيشة العمومية
اهل السياسة في فرنسا و انجلترا
كل بلدان اوربا في ذلك الوقت عندها مجالس نيابية منتخبة يفترض انها تمثل الامة
لكن للمؤلف نظرة دقيقة للطبقات الاجتماعية التي ينتمي لها اعضاء المجالس النيابية في كل من فرنسا و انجلترا و المهن التي يشتغلون بها و بالتالي مدى تاثير ذلك على القرار السياسي
حيث يرى المؤلف بعد افرد احصائيات و جداول لاثبات وجهة نظره يرى ان معظم اعضاء البرلمان الفرنسي هم من ذوي المناصب الادبية و الادارية و حتى اصحاب الاراضي الزراعية فيهم لا يفقهون من الزراعة الا قبض الايراد النهائي و بالتالي فهم من طبقات و مهن ليست عملية و بالتالي بعيدة عن احوال الشعب اليومية كما انهم يميلون للسفسطة و الجدل البيزنطي بحكم بطالتهم و فراغهم و طبيعة مهنهم التي اتوا منها التي تغلب النظري على العملي من جهة و تغلب توسع اعمال الحكومة على اقتصارها لان في ذلك زيادة في التوظيف و زيادة في نفوذ الموظفين و اصحاب المكانة الادبية كما ان المجلس يغيب عنه اصحاب المصالح الحقيقية (تجار وصناع و زراع)
على عكس البرلمان الانجليزي الذي يمثل نواب الامة الطبيعيين و بالتالي يكون المجلس احرص على مصالح الناس و اكثر بعدا عن السفسطة و اقرب للعملية
السبب في ان الانجليز السكسونيين ابعد الناس عن المذاهب الاشتراكية المنتشرة في فرنسا و المانيا و روسيا
من خلال فصل كامل استعرض المؤلف نشاة و انتشار الاحزاب و الافكار الاشتراكية في اوربا كلها و في امريكا ايضا و يستخلص المؤلف نتيجة مهمة ان الجنس السكسوني محصن ضد الافكار الاشتراكية و اورد ادلة عدة على ذلك و السبب في هذا التحصن من الافكار الاشتراكية في التربية الاستقلالية التي يتمتع الجنس السكسوني حيث لا يرغب في تدخل الحكومة في شئونه كما انه لا يريد منها ان تكفل له الاعاشة بينما ان مبعث الافكار الاشتراكية كان من المانيا لانها مهد لفكر الاتكالية و تدخل الحكومة
و فند المؤلف تفسيرات غيره من ان سبب عدم خضوع الانجليز للفكر الاشتراكي كونهم اقرب للدين حيث اثبت تدين البلدان لتي انتشرت فيها الاشتراكية كما فند فكرة انتشار المظالم كسببا للاشتراكية حيث اثبت ان للعمال الانجليز مظالم استطاعوا ان يتغلبوا عليه بدون تبني الفكر الاشتراكي
و حمل المؤلف حملة شديدة على الاشتراكية و فندها و تنبا بزيادة قوتها حتى تسيطر على الكثير من البلدان و هو ما حدث بالعل بعد صدور الكتاب بنحو 20 سنة غير انه تنبا بان الانجليز و السكسونيين لن ينحازوا ابدا و مطلقا للاشتراكية و ان الاشتراكية لو حكمت العالم كله فانها ستتكسر على صخرة الجنس السكسوني
و تنبا ايضا بان البلاد التي ستسود فيها الاشتراكية فانها ستحقق مدا و نموا و بعض مظاهر الازدهار الى حين ثم سرعان ما تنهار و تنقضي
حيث تجمع السلطة المركزية مقدرات و مفاتيح ثروات جمعت في عصور سابقة فتظهر بها مظهرا قويا ثم سرعان ما ينكشف عجزها عن تحقيق تقدم حقيقي بسبب سيادة روح الاتكال و ضعف الانتاج و ازدياد التواكل
اختلاف الفرنسيين عن الانجليز في ادراك حقيقة التضامن و التكافل
و خلاصة راي الكاتب في هذا الشان ان الانسان عندما يطالب بالتكافل فانما هو يطلب بشكل متخفي يطلب من الاخرين اعالته لانه لو كان الطرف القوي لما طالب بالتكافل و انما سعى لتقديمه دون ضجيج
يرى المؤلف ان افضل طريقة للتكافل و التضامن الاجتماعي هي تربية الفرد على تحصيل معاشه بنفسه و ان يعلم انه لن ينفع المرء الا سعيه
لان هذا ما يجعل الافراد يسعون لتقوية مهاراتهم و بالتالي يدفعهم لتحصيل سبل الرزق و الترقي في الحياه
و يرى ان الايرلنديين و الايطاليين و البولونيين هم من وجهة نظره اكثر اهل اوربا اتكالية و فقرا غير انهم لما هاجروا الى الولايات المتحدة ذات الاغالبية السكسونية ذات الفكر و الحضارة الاستقلالية فانهم تاثروا بهم و دخلوا سباق الحياه و اصبحوا قوة مؤثرة في المجتمع الامريكي و قل فيهم الفقر و العجز
و يرى المؤلف انهم لو وجدوا مناخ التكافل لغلبتهم طبيعتهم الاصلية التي تتسم بالفتور و الكسل و التواكل و لبقوا في الفقر الى الابد
كما ان بلاد التكافل يكثر فيها الضعفاء المحتاجين للدعم بينما يقل فيها الاغنياء المقدمين للدعم
و يرى ان انجلترا و امريكا تقدم للفقراء دعم اكبر بكثير من الامم التي يسود فيها افكار التضامن و التكافل
و ربما هذا يقرب الى اذهاننا افكار اسلامية عن مؤسسة الزكاه و دعم المشروعات الانتاجية و دعم طلاب العلم الذين اثبتوا جدارتهم العلمية و القرض الحسن للمنتجين و توفير ادوات المهنة لاصحاب الصنائع و جعل هذا في منزلة لا تقل عن دعم العجزة
هذا عرض موجز جدا لكتاب اعتبره مهم للغاية لكل المهتمين بشئون النهضة و التربية و العمل العام
الكتاب من تاليف عالم اجتماع فرنسي اسمه ادمون ديمولان الف هذا الكتاب عام 1897 في محاولة لرصد نقاط تفوق الانجليز على الفرنسيين
و الكاتب يحذر الفرنسيين ان لم يغيروا نظمهم التربوية و التعليمية من التخلف و انهم سوف يصبحون مثل عرب شمال افريقيا في ذيل الامم
الكاتب هنا لا يقصد الانجليز بمعنى اهل انجلترا و انما يقصد العنصر السكسوني الذي يشمل الامريكان ايضا
و قد تنبا الكاتب بالكثير من احداث القرن التالي لتاليف الكتاب و اتت معظم تنبؤاته في محلها تماما
و هي تنبؤات بنيت كلها على عوامل موضوعية حيث يرى المؤلف ادمون ديمولان ان التربية الاستقلالية هي سر تقدم المجتمعات و الدول
و اخذ المؤلف ينظر بهذا المنظار للامم المختلفة حتى استخرج تنبؤاته التي لم تعتمد على تصنيف الامم وفق ثرواتها او تسليحها او غناها او فقرها
كما اسند تخلف العرب الى تواكلهم كما حذر من انهيار فرنسا ان هي استمرت في انظمتها التعليمية و التربوية التي تدعم التواكل
و قد اتى الكتاب بردود فعل قوية هزت المجتمع الفرنسي حيث انتشر الكتاب و طبع عدة طبعات و استقبله الجمهور استقبال حسن و اسست عدة مدارس على وفق مبادئ مؤلف الكتاب خوفا من ان تواجه فرنسا مصيرا مؤلما و كان مما اخاف الفرنسيون ان يصيروا مثل العرب
الكتاب من ثلاثة ابواب رئيسية
الفرنسيون و الانجليز في المدرسة
الفرنسيون و الانجليز في الحياه الخاصة
الفرنسيون و الانجليز في الحياه العامة
الباب الاول
الفرنسيون و الانجليز السكسونيون في المدرسة
الفرنسيون و الانجليز السكسونيون في المدرسة
هل التعليم الفرنسي يربي رجالا ؟
الفرنسيون من وجهة نظر ديمولان 1897 يتعلمون من اجل الحصول على الوظيفة
الوظائف محدودة و المتعلمون كثر
كما ان التوسع في التعليم و هو امر مرغوب و واجب لترقية الامة الا انه يتحول الى كارثة عندما يكون هدف التعليم هو الاعداد للوظيفة او المهنة
اذ ان الاعداد المطلوبة للوظائف قليلة بالنسبة لاعداد المتعلمين مما يؤدي الى صعوبة الامتحانات المؤدية للتوظيف لتصفية الاعداد المتقدمة
كما يصبح هدف المدرسة الاعداد لامتحانات الوظيفة فتزيد المناهج كما مع زيادة اعداد المتعلمين مما يؤدي الى سطحية التعليم و اعتماده على الحفظ بغرض التذكر في الامتحان ثم النسيان
و حتى في مجالات الدراسة النظرية نجد المتعلمين بنظام التعلم من اجل الامتحان نجدهم فقراء في مواهب البحث و التحليل اي انهم حتى في الناحية النظرية غير صالحين
كما ان الاعداد الغفيرة التي تفشل في الحصول على وظيفة عندما ترجع الى الحرف فانها تشعر بان الحرفة عنوان على فشلهم في الحصول على الهدف من التعليم مما يجعلهم مقبلين على الحرف بروح مشمئزة كما ان تكوينهم النظري و كبر سنهم بسبب ضياع سنين الصبا في التعليم النظري تحول بينهم و بين التميز الحرفي مما يجعلهم يعانون من الفشل الحرفي بالاضافة الى الشعور بمرارة ضياع فرصة التوظيف
و يرى ديمولان ان التربية و التعليم بغرض اعداد موظف انما هو نوع من التربية الاتكالية التي تعد عقل الفرد على انتظار المراكز المجهزة من قبل (وظيفة)
كما ان اهم واجبات الموظف ان يكون صبورا اذ الترقية و التقدم في الوظيفة تكون بالاقدمية
و ان التربية من اجل الوظيفة تؤدي الى ضعف الارادة و فتور الهمة و نقص المهارات و ضعف الجسد
و من الملفت للنظر ان ادمون ديمولان قد لاحظ ان ابناء الطبقات الاكثر رقيا و ثراءا في فرنسا هم الاكثر ترفا و ضعفا و فتورا في الهمة و ان الطبقات الفقيرة هم الاكثر اقداما و جراة على الاستقلال و الاعتماد على الذات و اشد صلابة و ذلك بسبب ان الطبقات الغنية تاخذ حظها من التعليم النظري من ناحية و تبعد ابنائها عن ملامسة مشكلات الحياه و الاعتماد على النفس في سن مبكرة
و بالتالي يحدث انقسام في المجتمع الفرنسي حيث يكون الاكثر ثقافة و تقدما في العلم النظري و الاكثر اشتغالا بالوظائف القيادية هم من ابناء ضعف الارادة و فتور الهمة و ان هذا يهدد بزوال الحضارة و انهيار الامة (و ربما يتوافق هذا مع فهمنا للاية الكريمة (اذا اردنا ان نهلك قرية امرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا) اي جعلنا مترفيها هم الامراء فتفسد القرية و ينتهى امرها و تصير الى هلاك )
و هذا تماما ما نراه في مصر و المجتمعات العربية حاليا حيث نرى ابناء الريف البدو و الاماكن النائية البعيدة عن الخدمات التعليمية و التثقيفية نجد انهم اشد باسا و اقوى ارادة و اقوى اجسادا (رغم تفشي الامراض) بينما ابناء الطبقات الثرية و المتوسطة نجدهم اصحاب همم اقل قوة
و يرصد ادمون ديمولان وضع مختلف في التربية الانجليزية السكسونية حيث كلما ازداد الغنى و الثراء مالت الاسر الى تعليم الابناء الفروسية و كثرة الاسفار الخلوية و ترسيخ الاعتماد على النفس و بالتالي تتناسب قوة الارادة مع قوة المكانة الاجتماعية فيقود قاطرة البلاد اكثر الافراد و الطبقات قوة و اعلاهم همة و اشدهم بأسا
و انتهى ديمولان ان نظام التعليم السائد في فرنسا في وقته لا يربي رجالا
كما وضع سؤال اخر عن التعليم في المانيا ذلك النموذج الذي كان الفرنسيون يسعون جاهدين لتقليده نتيجة خوفهم من التفوق الالماني و ينتهي ديمولان الى التهوين من شان التربية و التعليم الالماني ايضا و انها لا تمثل النموذج الذي يجب ان يحتذى
هل التعليم الانجليزي يربي رجالا ؟؟؟؟
الرجولة من وجهة نظر ادمون ديمولان هي قدرة الشاب على ان ينزل الى احدى المستعمرات او البلدان النائية و ان يستطيع هذا الشاب بدون مساندة من الاهل او العشيرة او الحكومة ان يستطيع ان يكسب و يعتمد على نفسه و يحقق لنفسه حياه كريمة تزدهر مع الايام
حيث يرى ادمون ديمولان ان غاية التربية (تعويد الانسان على الاعتماد على نفسه في حياته فلا يحتاج الى طلب الرزق من غيره كما يجب ان تجعل التربية الانسان قادرا على يدور مع الزمن حيث دار بمعنى ان يستطيع مواكبة تقلبات العصر فلا يموت من الجوع ان اخترعت الة الغت وظيفته او تخلت عنه عشيرته او عائلته او حكومته )
و هو يرى ان التربية و التعليم الانجليزي السكسوني (في انجلترا و بلدان امريكا الشمالية و استراليا و نيوزيلاندا ) تهيئ تلك التربية
حتى انه يقارن بين تلك القوة الناشئة و الصاعدة في امريكا الشمالية و بين المستعمرات اللاتينية في امريكا الجنوبية و مدى تصاعد قوة الاولى و انحلال قوة الاخيرة مع ان بلدان امريكا الجنوبية هي الاكثر ثروة و ارتباطا بحكومات فرنسا و اسبانيا
و كما عبر له احد مديري المدارس الانجليزية عن فلسفته (ان الطالب ليس عقلا مجردا عن الجسم و بالتالي فان التربية يجب ان تمتد الى همة الطالب و ارادته و مهارته اليدوية و خفة حركته )
و كانت تلك المدرسة و هي مدرسة داخلية مقامة في منطقة ريفية بعيدة عن المدن بمصاريف عالية و هي لتربية ابناء الطبقات العليا و الغنية و مع ذلك تهيئ الولاد لممارسة الحياه و الاعتماد على النفس و قد اوضح ديمولان ملاحظة عن هذه المدرسة الانجليزية و هي كالتالي
ينقسم الزمن على الاعمال كالتالي :
5 ساعات اعمال عقلية (تعليم و استذكار و واجبات)
4.30 تمرينات جسمية و اشغال يدوية
2.30 اشغال صناعية و رياضات
9 ساعات نوم (النوم في التاسعة و الاستيقاظ في السادسة صباحا)
3 ساعات اكل و فسح و خلو من العمل
المجموع 24 ساعة كاملة هي عدد ساعات اليوم
و في الجملة ان اليوم ينقسم الى ثلاث اقسام
في الصباح عمل عقلي و بعد الظهر عمل يدوي في الحقول او المصانع (الاعمال اليدوية مرتبطة غالبا بما تمت دراسته نظريا)و في المساء فنون و موسيقى و رياضات عادية
و عن التربية في الامم التي تربي الفرد على الاستقلالية و الاعتماد على الذات في تحصيل المعاش يرى ان التربية تتسم بتسع سمات رئيسة
1- لا يعتبر الاب ابناءه ملك له فحب الابناء ليس نوع من حب الذات و بالتالي لا يكون فيهم محاولة الالتصاق بالابناء
فالحب لديهم هو لمنفعة الابناء لا لمنفعة الاباء
2- معاملة الاطفال على انهم رجال مسئولين عن انفسهم بينما المجتمع الفرنسي يربي ابنائه على انهم اطفال سواءا كانوا صغارا ام كبارا لمجرد انهم ابنائنا
3- تربية الابناء على ما يلائم زمانهم و ليس على تقاليد الزمن الذي كبر فيه الاباء (فلا يصح ان اربي ابني على المنافسة حتى الموت من اجل الوظائف بينما ارى اهمية الوظائف تتراجع )
4- تنمية قوة الابناء البدنية و الجسمانية و الاهتمام بذلك لتتوازن كفاءتهم الجسمانية العقلية مع قدراتهم العقلية بينما نحن (المجتمع الفرنسي في عصر ديمولان) نهتم بالتحصيل الدراسي الذي يسجن الطفل في دروسه و يقضي على نشاطه الحركي
5- تشغيل الابناء في الاعمال المادية و شغلهم بالمهارات اليدوية و ارسالهم في مشاوير و ماموريات دون خوف زائد عليهم من الضياع او الفشل
6- تعليم الابناء حرف و صنائع في سن صغيرة و عدم اعتبار ان هناك عمل شريف و اخر حقير فلا يخجل الورد الانجليزي من ان يعمل ابنه في الحقل و لا ان يشغل مساعدا او صبيا عند نجار
7- متابعة الاباء انفسهم لكل جديد في شئون مهنهم و عدم اكتفائهم بما هم عليه من مستويات معرفية
حتى ان الصحافة الانجليزية كانت في ذلك الوقت على خلاف الصحافة الفرنسية حيث تهتم الصحافة الانجليزية بشرح تطورات الالات و تحكي الوقائع دون اكثار في النظريات و بناء التحزبات و اخبار التسالي و شئون الموضة و الملابس التي كانت تسود الصحافة الفرنسية في ذلك الوقت
8- عدم استخدام السلطة الابوية الا في الامور الكبرى و ترك الابناء في امورهم البسيطة لمجرد النصح و الارشاد حتى يتعودوا تحمل مسئولية انفسهم دون قهر او قسر
9- و هو العنصر الاهم من وجهة نظر ادمون ديمولان و هو علم الابناء بان الاباء غير مسئولين عن الانفاق عليهم بعد تربيتهم
و يحذر المؤلف قومه من ان عليهم عدم الخشية من الالمان و عدم الدخول معهم في سباق تسلح و مسابقتهم في التوسع في سياسات التجنيد
حيث من وجهة نظره ان الالمان ستهلكهم افكارهم الاشتراكية و الفوضوية التي بدات تتكون و تتقدم في المجتمع الالماني
بينما يجب على الفرنسيين الخشية من المنافس القادم م خلف بحر المانش انه المنافس الانجليزي و الساكسوني بكافة اشكاله (الانجليزي او الامريكي )
ذلك المنافس الذي لا يدخل المعركة بجيشه و اسلحته و انما بقوته الشخصية و محراثه على كتفه
الباب الثاني
الفرنسي و الانجليزي السكسوني في حياتهما الخصوصية
1- طريقة التربية الفرنسية تقلل المواليد (خشية الانفاق على الابناء لان الاباء ملزمين بالانفاق على الابناء حتى يكبروا و مسئولين عن تامين مستقبلهم بعد كبرهم و تزويجهم ايضا)
و للمؤلف صولات و جولات و احصائيات في هذا الشان
2- التربية الفرنسية التواكلية مضرة بثروات الامة و مصالحها المالية
حيث يرى المؤلف ان اهتمام الفرنسيين بالوظائف و المهن و الاعمال الادبية جعلهم بعيدين عن مصادر و منابع توليد الثروة (الزراعة و الصناعة و التجارة ) و ان ثروات الفرنسيين تميل الى ان تكون اموال سائلة و منقولة و واوراق مالية في اسواق المال و البورصات
و يرى الكاتب ان المال الفرنسي السائل و المنقول هو من مول اكبر مشروعين في القرن الـ19 و هو قناة السويس و خليج بنما و قد الت ملكية و ادارة قناة السويس الى الانجليز السكسونيين و تنبا بان مشروع خليج بنما ايضا سيئول قريبا الى الامريكان و هم من العنصر السكسوني ايضا و بالتالي اصبحت ثروات فرنسا المنقولة في خدمة العنصر السكسوني ففرنسا تمول و الانجليز يجنون الارباح
كما ان الجيش الفرنسي يحتل الدول و المستثمرين الانجليز هم من يجنون حصيلة الاستعمار الفرنسي اكثر من الفرنسيين انفسهم
بينما الاغنياء في انجلترا و امريكا لا يزالون يشتغلون بالزراعة و ينفقون الاموال في تحسينها و يفضلون سكنى الارياف في وسط املاكهم الزراعية و حقولهم و مشروعاتهم الصناعية و التجارية بينما يسكن اغنياء فرنسا في المدن بعيدين عن الزراعة و تحسينها
حيث يستثمر اغلب الاغنياء الفرنسيين اموالهم في البورصة لذا تنمو فيهم بذور المرابين اليهود و تزيد وطأتهم و سيطرتهم مقابل ضعف تاثيرهم في ذلك الوقت في انجلترا و امريكا و استراليا و نيوزيلاندا حيث يستثمر الاغنياء اموالهم بانفسهم و لا يجلسون في القصور ينتظرون الفوائد
كما تكثر الهجرة بين ابناء الانجليز لاستكشاف الاراضي الجديدة و زراعتها بينما الفرنسي لا يهاجر الا من اجل وظيفة مرموقة توفرها له حكومته
3- التربية الانجليزية السكسونية تشجع على التزاحم في الحياه
التربية الانجليزية و بسبب تشجيعها على ممارسة الحرف و المهن و استقلال المعيشة فتجد الطبقات الراقية تسكن الارياف و لا تانف منها مما ادرى الى ان الارياف لا تقل في مستواها الحضاري عن المدن ان لم تكن افضل و اخذ الكاتب يقارن في صفحات طوال بين الريف الانجليزي النظيف و المتحضر و بين الريف الفرنسي البعيد عن الحضارة و المعادي للنظافة و التعليم بسبب نزيف المتعلمين تجاه المدن مما يؤدي الى خسارة الريف الفرنسي لابنائه المتعلمين و كذلك خسارتهم ايضا لانفسهم حيث يقيمون في احياء الفقراء بالمدن فيصيرون عبئا على المدينة و نزيفا للريف
(يذكرنا هذا بما نراه في مصر من نزوح و هجرة من الريف الى المدينة ما يؤدي الى تخلف دائم للريف و انفجار دائم في العشوائيات حول المدن )
و يرى المؤلف ان رجل الاستقلال لا يميل الى الاهتمام بالسياسة كما يميل رجل الاتكال لها
حيث ان رجل الاستقلال كل ما يهمه ان يخلص من كل قيد يحول بينه و بين تجاراته او زراعته او صناعته و بالتالي يسعى للتخلص من قيود الاستبداد و من ضرائب الحكومة على ان يقتصر دور الحكومة على توفير الحد المناسب من الامن و الادوار الاساسية التي لا يستطيع الافراد القيام بها و في المقابل لا يطالب الحكومة باي مطالب من شانها ان تدفعها للتدخل في نشاطه(شعاره تجاه الحكومة يا نحلة لا تقرصيني و لا عاوز منك عسل)
ثم يعرض المؤلف في فصل طويل و طريف عن الفرق في نظرة الاستقلالي الانجليزي للمسكن و نظرة الاتكالي في ارياف و مدن فرنسا للمسكن و الفرق في الاثاثات و في الانتقال بين المساكن و في الارتباط بالريف و الحضر و مدى نظافة البيوت الانجليزية و قذارة البيوت الايرلندية و قذارة البيوت في الريف الفرنسي
الباب الثالث
الفرنسي و الانجليزي السكسوني في المعيشة العمومية
اهل السياسة في فرنسا و انجلترا
كل بلدان اوربا في ذلك الوقت عندها مجالس نيابية منتخبة يفترض انها تمثل الامة
لكن للمؤلف نظرة دقيقة للطبقات الاجتماعية التي ينتمي لها اعضاء المجالس النيابية في كل من فرنسا و انجلترا و المهن التي يشتغلون بها و بالتالي مدى تاثير ذلك على القرار السياسي
حيث يرى المؤلف بعد افرد احصائيات و جداول لاثبات وجهة نظره يرى ان معظم اعضاء البرلمان الفرنسي هم من ذوي المناصب الادبية و الادارية و حتى اصحاب الاراضي الزراعية فيهم لا يفقهون من الزراعة الا قبض الايراد النهائي و بالتالي فهم من طبقات و مهن ليست عملية و بالتالي بعيدة عن احوال الشعب اليومية كما انهم يميلون للسفسطة و الجدل البيزنطي بحكم بطالتهم و فراغهم و طبيعة مهنهم التي اتوا منها التي تغلب النظري على العملي من جهة و تغلب توسع اعمال الحكومة على اقتصارها لان في ذلك زيادة في التوظيف و زيادة في نفوذ الموظفين و اصحاب المكانة الادبية كما ان المجلس يغيب عنه اصحاب المصالح الحقيقية (تجار وصناع و زراع)
على عكس البرلمان الانجليزي الذي يمثل نواب الامة الطبيعيين و بالتالي يكون المجلس احرص على مصالح الناس و اكثر بعدا عن السفسطة و اقرب للعملية
السبب في ان الانجليز السكسونيين ابعد الناس عن المذاهب الاشتراكية المنتشرة في فرنسا و المانيا و روسيا
من خلال فصل كامل استعرض المؤلف نشاة و انتشار الاحزاب و الافكار الاشتراكية في اوربا كلها و في امريكا ايضا و يستخلص المؤلف نتيجة مهمة ان الجنس السكسوني محصن ضد الافكار الاشتراكية و اورد ادلة عدة على ذلك و السبب في هذا التحصن من الافكار الاشتراكية في التربية الاستقلالية التي يتمتع الجنس السكسوني حيث لا يرغب في تدخل الحكومة في شئونه كما انه لا يريد منها ان تكفل له الاعاشة بينما ان مبعث الافكار الاشتراكية كان من المانيا لانها مهد لفكر الاتكالية و تدخل الحكومة
و فند المؤلف تفسيرات غيره من ان سبب عدم خضوع الانجليز للفكر الاشتراكي كونهم اقرب للدين حيث اثبت تدين البلدان لتي انتشرت فيها الاشتراكية كما فند فكرة انتشار المظالم كسببا للاشتراكية حيث اثبت ان للعمال الانجليز مظالم استطاعوا ان يتغلبوا عليه بدون تبني الفكر الاشتراكي
و حمل المؤلف حملة شديدة على الاشتراكية و فندها و تنبا بزيادة قوتها حتى تسيطر على الكثير من البلدان و هو ما حدث بالعل بعد صدور الكتاب بنحو 20 سنة غير انه تنبا بان الانجليز و السكسونيين لن ينحازوا ابدا و مطلقا للاشتراكية و ان الاشتراكية لو حكمت العالم كله فانها ستتكسر على صخرة الجنس السكسوني
و تنبا ايضا بان البلاد التي ستسود فيها الاشتراكية فانها ستحقق مدا و نموا و بعض مظاهر الازدهار الى حين ثم سرعان ما تنهار و تنقضي
حيث تجمع السلطة المركزية مقدرات و مفاتيح ثروات جمعت في عصور سابقة فتظهر بها مظهرا قويا ثم سرعان ما ينكشف عجزها عن تحقيق تقدم حقيقي بسبب سيادة روح الاتكال و ضعف الانتاج و ازدياد التواكل
اختلاف الفرنسيين عن الانجليز في ادراك حقيقة التضامن و التكافل
و خلاصة راي الكاتب في هذا الشان ان الانسان عندما يطالب بالتكافل فانما هو يطلب بشكل متخفي يطلب من الاخرين اعالته لانه لو كان الطرف القوي لما طالب بالتكافل و انما سعى لتقديمه دون ضجيج
يرى المؤلف ان افضل طريقة للتكافل و التضامن الاجتماعي هي تربية الفرد على تحصيل معاشه بنفسه و ان يعلم انه لن ينفع المرء الا سعيه
لان هذا ما يجعل الافراد يسعون لتقوية مهاراتهم و بالتالي يدفعهم لتحصيل سبل الرزق و الترقي في الحياه
و يرى ان الايرلنديين و الايطاليين و البولونيين هم من وجهة نظره اكثر اهل اوربا اتكالية و فقرا غير انهم لما هاجروا الى الولايات المتحدة ذات الاغالبية السكسونية ذات الفكر و الحضارة الاستقلالية فانهم تاثروا بهم و دخلوا سباق الحياه و اصبحوا قوة مؤثرة في المجتمع الامريكي و قل فيهم الفقر و العجز
و يرى المؤلف انهم لو وجدوا مناخ التكافل لغلبتهم طبيعتهم الاصلية التي تتسم بالفتور و الكسل و التواكل و لبقوا في الفقر الى الابد
كما ان بلاد التكافل يكثر فيها الضعفاء المحتاجين للدعم بينما يقل فيها الاغنياء المقدمين للدعم
و يرى ان انجلترا و امريكا تقدم للفقراء دعم اكبر بكثير من الامم التي يسود فيها افكار التضامن و التكافل
و ربما هذا يقرب الى اذهاننا افكار اسلامية عن مؤسسة الزكاه و دعم المشروعات الانتاجية و دعم طلاب العلم الذين اثبتوا جدارتهم العلمية و القرض الحسن للمنتجين و توفير ادوات المهنة لاصحاب الصنائع و جعل هذا في منزلة لا تقل عن دعم العجزة
تعليقات
إرسال تعليق