خواطر حول الطغيان و الديمقراطية و الشورى

إن لم يكن لديك الوقت لتقرأ هذه الخاطرة فاقرأ هذه السطور الأربعة

الطغيان: نتيجة طبيعية لاحتكار القوة
الشورى : أن تبحث عن الحكمة في رأي القوي و الضعيف و لو استطعت أن تستشير حيوان فلتفعل و لا تخجل فقد استمع النبي سليمان عليه السلام لمشورة هدهد
الديمقراطية : للأقوياء فقط ، كن قويا لتجد من يسمعك

و هذه خاطرتي لمن أراد مشاركتي في تأملاتي

كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى
هذه الآية من أوائل ما نزل من القران بل هي نزلت في أول وحي نزل على رسول الله في غار حراء
و هي آية تعد أساس لنظرية متكاملة في تفسير الطغيان
أصل الطغيان البشري يحدث عند الاستغناء عن الآخرين أو عند الشعور بالاستغناء و لو كان هذا الشعور غير حقيقي أو لا يستند إلى وقائع حقيقية
فمجرد شعور صاحب العمل بأن عماله في حاجة إليه أكثر من حاجته لهم و أنه قادر في لحظات على تغيير فريق العمل بفريق جديد اقل أجرا أو أكثر نشاطا فان هذا الشعور في حد ذاته يدفع صاحب العمل للطغيان و التجبر
و يدفع الحاكم للطغيان شعور الحاكم باستغنائه عن رضاء شعبه
كما يندفع للطغيان الطفل المدلل الذي يتصور أنه منحة نادرة رزق الله به والديه ، وأنه إذا غضب على والديه فان هذا كفيل بتدمير حياة الوالدين لذا فعلى الجميع إرضاء سيادته و تدليل سعادته و التفنن في اكتشاف رغبات قداسته و لو لم يعلن عنها .

كيف نرد الطغيان ؟

قد يمن الله و يرحم عبده الصالح فيرزقه فقه الحياة فيعلم انه مهما كان قويا فان مرده إلى الله سبحانه و تعالى إن إلى ربك الرجعى و هي الآية التالية تماما لآية تفسير الطغيان (كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى * إن إلى ربك الرجعى )
و قد لا ينعم الله على عبده بنعمة التقوى و الصلاح فينطلق خلف وهم قوته ، فينطلق الفرد الطاغية أو الأمة الطاغية أو الطائفة الطاغية لأخذ كل ما تسول له نفسه أن قوته تسمح له بأخذه ،
ولا يقف الطاغية عند حدود إلا عند اصطدامه بقوة أخرى سواء كانت هذه القوة الأخرى قوة عدل أو قوة ظلم فالأمر سواء لديه ، فحدود طغيانه هي حدود قوة طرف آخر و هو ما أظنه هنا يمثل التدافع تلك السنة الكونية الأزلية التي وضعها الله في الأرض حتى لا يتم إنهاء الضعفاء و إبادتهم حين تغيب تقوى الأقوياء
و لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض

الشورى:

خلق قويم ينبع من نفس عاقلة و تمتلك الحكمة لتعلم أن الإنسان مهما أوتي من قوة و علم فانه لم و لن يصل إلى العلم المطلق
مما يجعل نفس المؤمن المتواضع تقبل أن تستمع لامرأة ضعيفة أو طفل صغير أو عبد بسيط،
فعندما يستصعب على المحلل الاستراتيجي و العقلية العلمية الممنهجة إيجاد حل لاقتحام حصن منيع كخط بارليف الحصين فقد تأتي الفكرة الجيدة من جندي بسيط ربما اعتاد في عمله على إهالة التراب عن طريق رش المياه ،
و من المعتاد دائما أن الحل الأفضل للمشكلات المعقدة هو ما يأتي من خارج النمط السائد، و لنا في رسول الله أسوة حسنة يوم أن استشار و استثار عقول الصحابة ليفكروا و يعصفوا أذهانهم حتى نطق سلمان الفارسي بفكرة حفر الخندق تلك الفكرة التي لم تكن معتادة بين العرب فكان لزاما لإيجادها عقل غير عربي ، رغم أن سلمان الفارسي عبد فقير محرر حديثا غريب الجنسية و ليس من سادة القوم حتى يجالسهم و يدلي برأيه و يسمع له و توضع فكرته الغريبة موضع التنفيذ .

و الشورى قد لا تكون للإنسان فقط
فقد تأتي نظريات الطيران أو الغوص من دراسة طريقة الطيور في التحليق و دراسة تشريح السمكة،
كما قد تأتي فنون الإدارة من دراسة جحور النمل و خلايا النحل

فالحاكم أو المربي أو المدير أو الفقيه يلجأ للشورى كأثر لخلق الحكمة و التواضع و إدراك ضعفه إلى جوار حكمة الله و قوته
مما يجعل عمر بن الخطاب الحاكم على نصف الأرض المعروفة في زمنه يخشى دعوة امرأة جائعة أو طفل باكي أو حتى بغلة عثرت في الطريق و لا تستطيع أن تجادله و تحاسبه بنفسها فيحاسبه الله على تقصيره في حقها

فالشورى سلوك إيماني يومي و تلقائي في المنزل و العمل و السوق و المصلحة الحكومية و دوائر الحياة بداية من الأسرة الصغيرة حتى الدولة الكبيرة.
[صورة مرفقة: f1.jpg]

دعونا نسأل هل سلوك الشورى موجود في بيوتنا و أعمالنا و حياتنا ؟؟؟

إذا طلبت منك أن تقيم نفسك و تعطي نفسك درجة من عشرة فهل تستطيع أن تحقق درجة النجاح في تطبيق الشورى
للأسف هي صفة إيمانية غائبة و خلق إسلامي مهجور حاليا، احتاج أنا و أنت و كل إنسان أن يتعلمه و يجاهد استبداد نفسه،
و هل هناك اخطر على الإنسان و على الأمة من إعجاب كل ذي رأي برأيه و إتباع كل شخص لهواه،
و قديما قال الحكماء: وزعت الأرزاق فنظر كل إنسان لرزق غيره، و وزعت العقول فرضي كل إنسان بعقله.

الديمقراطية:
هي ثمرة من ثمار توازن القوى و وجود سنة التدافع
البعض يعتقد أن الديمقراطية خلق (فأين هذا الخلق في العراق و أفغانستان و فلسطين التي يعربد فيها دعاة الديمقراطية ؟ ) .
فعندما يقول الغرب عن فلسطين أنها أرض بلا شعب لم يكونوا يقصدون المعنى الحرفي للكلمة كانوا يقصدون أن فلسطين ارض بلا شعب قادر على الدفاع عن نفسه)
و البعض يتصور أن الديمقراطية ثمرة الحضارة و انتشار العلم و الوعي
فكيف نفسر وجود سلوك ديمقراطي في لعب الأطفال الجماعي تحت سن المدرسة ؟؟
و كيف نفسر وجود سلوك الديمقراطية في قبائل همجية قديمة ؟ بينما كانت الديمقراطية تغيب تماما في ظل دول عتيدة في الحضارة مثل مصر الفرعونية ؟

الديمقراطية هي شكل من أشكال التدافع و توازن القوى

الفرعون كان قادرا بجنوده على السيطرة على النيل و تنظيم حركة المياه و ري الأرض ( أليس لي ملك مصر و هذه الأنهار تجري من تحتي) بينما شعبه مشتت (جعل أهلها شيعا) و لا يملك وسيلة للوصول إلى الماء إذا حرمه منه الفرعون،
بينما قبائل الرعاة لا تستطيع منع المطر النازل من السماء عن احد أفرادها
و لا يملك شيخ القبيلة أن يسجن أو يقتل، و أقصى ما يستطيعه أن يدعوا القبيلة و يقنعها أن تخرج العنصر المارق من بين صفوفها،
أبو جهل لم يكن طيبا أو متسامحا عندما تأخر عشر سنوات في محاولة اغتيال النبي صلى الله عليه و سلم ،و لكنه لم يكن قادرا على هذا الفعل ، وعندما وصل الصراع إلى ذروته لم يستطع أن يخطط للاغتيال إلا عن طريق التحالف مع أربعين قبيلة كل قبيلة منها تقدم أعز فتيانها ليشارك في جريمة الاغتيال حتى يتفرق الدم بين القبائل و لا يستطيع بنو هاشم الثأر لمقتل محمد صلى الله عليه وسلم
بينما كان فرعون مصر قادرا (من وجهة نظره ) ليس فقط على قتل موسى عليه السلام أو سجنه و إنما كان قادرا على قتل و إبادة بني إسرائيل بالكامل ، و هو أصلا كان يفعل بهم ما هو أشد من القتل فقد كان يقتل أطفالهم الرضع بقوة القانون الفرعوني ، و كان يستبقي نسائهم و ضعفاء رجالهم ليس خوفا منهم أو تقديرا لتوازن القوى و إنما طمعا في المزيد من العبيد .

و هذا ما يفسر أيضا ديمقراطية أثينا (أصل نظرية الديمقراطية) التي كان التصويت فيها للأحرار و السادة فقط ، بينما كان الخسف و الظلم من نصيب العبيد و الفقراء من الأحرار ،
و قد كان لدى قريش دار الندوة و لدى القبائل و العشائر حتى يومنا هذا مسميات مختلفة مثل (مجلس القبيلة – قعدة العرب – قعدة الرجال )

و على هذا فلا وجود للديمقراطية إلا على أساس توازن القوى و على أساس القدرة على التدافع

في النموذج الأمريكي مثلا نجد معنى التدافع و توازن القوى في أوضح صوره
فلا الديمقراطي قادر على سحق الجمهوري و لا الجيش قادر على قهر المجتمع ، و لا الرئيس قادر على سحق مجلس النواب أو مجلس الشيوخ ، و لا السلطة الفيدرالية قادرة على تهميش السلطات المحلية .
و الإعلام ليس ملك الحاكم و إنما أداه في أيدي الأغنياء و التصويت في أيدي الجميع ،
و القدرة على إقامة التجمعات البسيطة و الكبيرة ممكنة ، فيستطيع الناشطون من عامة الشعب أن يقيموا جمعيات لمراقبة حركة الأسواق (حماية مستهلك) كما يستطيعون التعاون على العمل السياسي (إقامة حزب ينافس على السلطة)

و نجد الشعب الأمريكي يعلم تماما و بشكل فطري أن الديمقراطية هي احد أشكال توازن القوى
فتجد الناخب الأمريكي إذا انتخب الرئيس من الحزب الديمقراطي فينتخب مجالس النواب من الجمهوريين ، و إذا استمع رأيا من الإدارة الحاكمة بأذنه اليمنى فانه يعطي أذنه اليسرى للطرف الآخر من المعارضة ،

الجميع هناك يعلم أن التوازن و التدافع هو سر قوتهم فيحرصون عليه حرصهم على حياتهم فلا يعطون احد صلاحية إلا و يضعون فوقه رقابة تحت شعار (السلطة مفسدة و السلطة المطلقة مفسدة مطلقة) كما يقارب المثل الشعبي المصري في ضرورة وجود الرقابة (المال السايب يعلم السرقة)
و يحضرني هنا مثل شعبي دارج . ( يا فرعون إيه فرعنك ؟ ملقيتش حد يصدني ) .
و أحب أن اختتم خواطري هنا بهذه الخلاصات

الطغيان نتيجة طبيعية لاحتكار القوة .
الشورى: أن تبحث عن الحكمة في رأي القوي و الضعيف و الكبير و الصغير، و لو استطعت أن تستشير حيوان فلتفعل و لا تخجل، فقد استمع النبي سليمان عليه السلام لمشورة هدهد.
الديمقراطية: للأقوياء فقط، كن قويا لتجد من يسمعك.

محمد سعد حميده

8 يوليو 2009

تعليقات

التسميات

عرض المزيد