عتريس و فؤاده 1

قريتنا كانت واقعة تحت حكم عصابة مجرمين كان لهم زعيم اسمه عتريس
لم يكن عتريس بقوة و جبروت يحيى شاهين في فيلم جواز عتريس من فؤادة باطل
عتريس قريتنا كان مجرد رمز و بيته ملتقى للمفسدين يقسمون فيه الغنائم و كان المفسدون متمسكون ببقاء عتريس الضعيف لانهم كانوا زاهدين في الزعامة و القيادة و كل همهم الاموال و الشهوات لذلك ظلوا يدعمون عتريس و بيته بكل ما اؤتوا من قوة
صورة ‏‎Mhmd Hemeda‎‏.
شيخ المسجد كان يهاجم عتريس في خطبه تلميحا غالبا و تصريحا احيانا و الجماهير تكبر و تهتف و تتفاخر بشجاعة شيخ المسجد
شيخ المسجد لم يقل خطبة جديدة منذ اربعين سنة فقد اراح نفسه و اصبحت لديه مفكرة خطب متوازية مع التاريخ الهجري و الميلادي
خطب الهجرة و مولد النبي و الاسراء و المعراج و رمضان و ما بعد رمضان و عيد الام و يلقي الشيخ خطبته بذات الكلمات بذات المقاطع الصوتية بنفس الانبهار الجماهيري عند سماع نفس الكلمة التي يقولها نفس الخطيب منذ اربعين عام
مثقف المقهى في قريتنا الذي علمنا ان الشيشة و بهدلة الملابس و الشعور بالضياع اهم سمات المثقف و يمنح مثقف قريتنا جائزته التذكارية لصاحب افضل نكتة جنسية يطلقها شاب كسخرية من السيد عتريس (منسق العصابة)
و كان مثقف مقهى قريتنا تماما مثل شيخ مسجد قريتنا اما انه لم يقرا كتابا منذ اربعين سنة او كتابا كتب منذ اربعين سنة
لم تكن العلاقة جيدة بين شيخ المسجد و مثقف المقهى و كان بينهما تنافس حقيقي و ظاهر على اجتذاب الجمهور و ابهاره
شيخ المسجد جمهوره اكبر و مثقف المقهى كان ابهاره احيانا اكثر
و مع تقدم الحياه و مع شيخوخة المثقف و الشيخ ظهر جيل جديد في القرية متأثرا بشيخ المسجد تارة و مثقف القرية تارة و باندفاعاته الشبابية الذاتية تارة اخرى فتمردوا على السيد عتريس (منسق العصابة) و طالبوه بالرحيل و تزلزلت القرية
و في البداية بلع المثقف لسانه و خاف شيخ المسجد من الفتنة و كان عتريس يعلم وفق اخر معلوماته القديمة ان للكهلين دور في توجيه الجمهور فأوكل اليهما مهمة اخماد تمرد الشباب و الا سيكون الحساب عسير
فحار الكهلان بين القوتين المتصادمتين (تمرد الشباب و عصابة عتريس) ثم اختلطت قراراتهما و تذبذبت مواقفهما وفق قرائتهما المضطربة لقوة طرفي النزاع
انتهى الصراع برحيل عتريس او بمعنى ادق قامت العصابة بخلع عتريس من منصبه كمنسق عام للعصابة و تفكيك العصابة مؤقتا و الانضمام لاهل القرية الطيبين حتى تزول الغمة
اصبحت القرية بلا حاكم يحكمها و لا منسق للصوصها و لا كابح لتمرد شبابها و ضاعت قواعد السرقة فلم يعد حرامي الغسيل متورعا عن النشل
بعض صغار المكرهين في العمل في عصابة عتريس فرحوا بخلعه و قرروا العيش بشرف و لكنهم لم يكونوا مؤهلين بأي خبرة في اي مجال و سألوا شيخ المسجد الذي لم يجد لهم حل سوى قصة في ذاكرته عن النبي و الرجل الفقير حين امره النبي بان ياتي بحزمة من حطب و يبيعها لاهل المدينة ليوقدوا افرانهم و نسي الشيخ ان القرية لا تحتاج الا لحطاب واحد
فانصرف صغار اللصوص التائبين و في اذهانهم الحل العصري المشابه لحطاب المدينة ففتحوا اكشاك سدوا بها الطرقات
و توافق اهل القرية الطيبين على ازالة منكر الاكشاك و وجد اللصوص غير التائبين ان هذه مناسبة طيبة لاعادة استثمار اللصوص المكرهين و اقناعهم ان العيش بشرف شئ مستحيل
اضطربت الاحوال في القرية و الكل يبحث عن بديل لعتريس
و صارت العقول حائرة و الاقوال متباينة و الاراء متضاربة متنازعة متشاكسة
بين رأي يقول نولي شيخ المسجد الذي نسي شئون الحياه
ام نولي مثقف المقهى الفاشل في كل شئ حتى قيل عنه انه فشل حتى في الانتحار
ام نولي امور قريتنا لعصابة عتريس و كأن شيئا لم يكن و تعود الحياه لطبيعتها قبل ان يتمرد الشباب على حياة القرية البائسة
ام تئول القيادة للشباب المتمردين قليلي الخبرة و مشروعهم الوحيد الناجح هو خلع عتريس و مطاردة عصابته
ام يعطوا القيادة لرجل من افندية القرية الطيبين الشرفاء ممن لم نسمع لهم صوت في حق و لا في باطل (ناس محترمين و في حالهم) و لكنهم رغم طيبتهم و رغم انهم اكثر اهل القرية علما و خبرة و درأية الا انهم اقل اهل القرية جرأة و اكثرهم خوفا من المغامرة و كل خبرتهم كانت (ايام عتريس) في ادارة و تنفيذ خطط اعاشة اهل القرية و الحفاظ على حياتها من خلال ادارة لا بأس بها لشئون الفتات الذي يقع من بين ايدي العصابة
ادركت القرية انها في مأزق حقيقي لا يريد طرف ان يتنازل عن رأيه او حقه او ما يتصور انه حقه او مخصصاته و حصصه التي نالها في عهد عتريس او حقوقه التي حلم بها بعد خلع عتريس
توافق من لهم صوت في القرية على كتابة وثيقة او عقد (سموه دستور) يبين لكل طرف في القرية حقوقه و واجباته و طرق انتخاب زعيم القرية
لكن اختلفوا كيف يكتب العقد و متى يكتب و من يشارك في الكتابة وكيف نضمن انهم لا يكونوا تابعين لطرف ما ظاهريا و طرف اخر باطني (من تحت الترابيزة مظبطين مع عصابة عتريس)
كل هذا الاختلاف و الصراع و الحوار الهادئ حينا و المشتعل غالبا بينما امور القرية تزداد سوءا و الناس تزداد جوعا
و بعض اهل القرية و قد اشتد به البؤس و لا يجد دواءه يهتف : الله يخرب بيوتكم خلصونا العيال بتموت و الله لو ما خلصتوا لنرجع عتريس او ابنه او احد مساعديه
بؤساء القرية يهددون و يعلمون جيدا اكثر من غيرهم ان تهديدهم مجرد كلام في الهواء لان عتريس و رفاقه كلهم على سرير الموت و ابن عتريس اهبل لا يصلح لشئ
كما يعلمون ان ظروفهم ايام عتريس كانت بائسة و ان عودته المستحيلة لن ترفع عنهم البؤس و اساسا شباب القرية المتمرد المتعاطف معهم و مع بؤسهم لن يسمح ابدا بعودة عتريس الا على جثثهم
قريتنا لم تعبر الى بر الامان حتى اللحظة و لكنها بدأت رحلة العلاج و كل يوم تكسر وهم و تسقط قناع و تزيل صنم
اللهم نجي قريتنا

تعليقات

التسميات

عرض المزيد