كيف عالج طلعت حرب حزب الكنبة بتاع ثورة 1919 ؟

ايام ثورة 1919 كان حزب الكنبة المصرية يرد على هتافات الثوار المطالبة برحيل الانجليز بعبارته التاريخية : يمشوا يروحوا فين و يسيبوا البلد لمين لو الانجليز مشيوا احنا مش حنلاقي ناكل و لا نلبس
و حزب الكنبة موجود في كل العصور و لدى كل الشعوب و وجوده صمام امان (بشرط ان لا يزيد الامان عن اللازم)
و امة بلا حزب كنبة قد تتهور و ترجع تتعور
حزب الكنبة دائما على صواب عندما يعبر عن الواقع و لكنه دائما على خطأ اذ يعترف بحتمية و جبرية الواقع و ينسى امكانية تغيير قواعد اللعبة و قلب المعادلة رأسا على عقب
نرجع مرة اخرى لثورة 1919 المطالبة بالجلاء و كيف يكون الجلاء و قد استطاع الانجليز بسياسة تعليمية ماكرة ان يجرفوا البلاد من اصحاب المهارات القيادية بسبب السياسة التعليمية التي زرعها الوزير الانجليزي "دانلوب" و ندد بها مصطفى كامل و قاومها اذ ان السياسة التعليمية الانجليزية كانت تهدف الى اخراج عمال و موظفين و فنيين مصريين ذوي كفاءة عالية و لكنها تهدر فرص المصريين في ان يكونوا من رجال الادارة العليا و من يومها المصري يعمل احلى شغل تحت ادارة غيره و في منظومة غيره
و هنا فكر طلعت حرب ان يغير قواعد اللعبة و يترك عالم الكتب و الفكر النظري حيث كان الرجل مفكرا و له مؤلفات مهمة و قرر طلعت حرب توظيف طاقة الثوار في تأسيس بنك مصر
ليبني اقتصاد وطني مصري قادر على الاستقلال
و كان من اهم ما يريد طلعت حرب ترسيخه في الوجدان المصري ان المصري اذا تعلم يستطيع ان ينافس اي جنسية اخرى و اراد ان يقتلع من نفوس المصريين انهم متخلفين بالفطرة و اخرهم ان يكونوا عمال زراعيين و فقط
و لكن لم يكن لدى مصر وقتها كوادر ادارية و فنية قادرة على ادارة مشروعات بنك مصر
و هنا كان الحل الواقعي الذي يثبت ان للواقع وجوه اخرى غير الاستسلام
تعاقد طلعت حرب مع مديرين اجانب بعقود تصل الى خمس سنوات على ان يجدد العقد سنويا و يكون التجديد مشروط بان يقوم المدير الاجنبي بتدريب و تأهيل اثنين من المديرين المصريين
و كان هؤلاء المديرون المصريون الجدد يتم توزيعهم على المشروعات الجديدة و الفروع و الاقسام التي كانت تستحدث نتيجة نمو انشطة بنك مصر
و مع الوقت تكون لدى المصرين قلاع صناعية و كوادر ادارية و تقلصت عقدة الخواجة الى حدها الادنى و كان هذا بالتوازي مع المسارات الاخرى السياسية و الفكرية و الادبية و الدعوية و هكذا انتقلت الثورة المصرية من مرحلة تهديد الانجليز بالموت الزؤام الى مرحلة تنفيذ التهديد في مدن القناه و محاربة الانجليز و القيام بعمليات مؤثرة ضدهم لاجبارهم على الرحيل في نهاية المطاف
اذا كانت قواعد اللعبة الحالية لا تخرج الا نفس النتائج الموجودة فلنطور و نغير قواعد اللعبة و اذا كان الواقع لا يسمح بالمزيد فلنصنع واقع جديد

تعليقات

التسميات

عرض المزيد