انه حسن البنا و ليس سيد قطب
لم يؤمن حسن البنا بأهمية التنظير الفكري و لا فعالية الكتب عموما في التغيير او الاصلاح حتى شاع عنه ما قاله عن نفسه "أنا لا أؤلف كتباً و إنما مهمتي أن أؤلف رجالاً أقذف بالرجل منهم في بلد فيحييه" و اثار حسن البنا الفكرية تستمد من رسائله المنشورة و مقالاته الموجهة بالاساس لانصاره المشتركين في صحف و مجلات الاخوان
حسن البنا |
و كانت نظرة البنا للمثقفين عموما و المنظرين على وجه الاخص ان حرفتهم الكلام الذي لا يحرك ساكنا و لا يغير واقعا و كانت له رسالة شهيرة عنوانها "هل نحن قوم عمليون" كما شاع شفويا على ألسنة من رباهم حسن البنا مباشرة مصطلحات و عبارات على غرار "هلك المنظرون" و "المنظرون على خطر عظيم"
و كان حسن البنا اذا رأى من احد تلامذته المقربين او ان احد الاخوان المتحمسين نزع الى الشأن الثقافي و الجدل السياسي و لو كان دفاعا عن دعوة الاخوان ضد خصومها فانه كان يدعوه الى لقاء شخصي و يثني على ثقافته و نشاطه الفكري و يحبب اليه الاستقلال و العمل للدعوة كمستقل خارج اطار الاخوان لانه لم يعد يصلح للجندية و يؤكد عليه ان الاخوان مستعدون لدعمه و كان يقدم الدعم لبعضهم فعليا حتى لا يشعرون انهم قد فصلوا او ابعدوا و الفارق هنا بين حسن البنا و من خلفه من تلامذته انه كان يشعر المستقلين بأنهم بمثابة الابن الذي كان قاصرا تحت وصاية والده لكنه الان قد بلغ النضج و الرشد و صار جديرا به ان ينفصل و يستقل و يساعد اباه في تربية اخوته "تستطيع صديقي القارئ ان تجد مرجع تلك المعلومة و تفصيلاتها في عدة مقالات للدكتور سيد دسوقي حسن و حلقات محمد فريد عبد الخالق مع احمد منصور في شهادته على العصر"
و جل قادة الاخوان ممن نسبوا الى سيد قطب و شاع عنهم عمليا انهم قطبيون جلهم لا يؤمن بجدوى التنظير و ليس لهم باع في الادب كتابة او قراءة و ربما القليل منهم اساسا من يعد قارئا جامعا لكل اعمال سيد قطب في حين ان جميعهم من حفاظ رسائل و مذكرات حسن البنا و ربما يستطيع بعضهم استظهارها شفويا
كما انهم ساروا على خطى الزعيم المؤسس في تجنيد و ضم الاعضاء الجدد للجماعة عن طريق تأليف القلب و اثارة الايمان الكامن و نوازع التدين الفطري ثم دمج المدعو في مجموعة من الاصدقاء الاخوان حتى يصير الاخوان مجتمعه الطبيعي ثم ينهكون قلب المدعو بحديثهم و صورهم و افلامهم عن مذابح المسلمين و قصص الحرب على الاسلام حتى ينفطر قلبه و يعتصر فؤاده ليصبح مؤهلا لطرح السؤال الباكي عن دوره كفرد في الدفاع عن الاسلام ليجد نفسه لابد و ان يكون جنديا في جماعة الاخوان ليتولى مهمته في الدفاع عن الاسلام "تلك المراحل موجودة بالتفصيل في رسائل الدعوة الفردية و مراحلها" و هي نفس المراحل العاطفية القائمة على الاتصال الشخصي المباشر و التداخل الاجتماعي مع شخص المستهدف بالدعوة الذي سلكه حسن البنا و بالتالي ليس هناك اي فرصة تذكر للتجنيد عبر الكتب و الافكار و التنظير لافكار الحاكمية او غيرها و ان كان هذا قد يحدث احيانا لكنه ليس الخط العام المتبع و الشائع اخوانيا ان من يعرف الاخوان عن طريق الكتب و لو كانت كتبهم فانه لا يستمر مع الاخوان كثيرا و مصيره دائما هو الفصل او الانفصال او الانشقاق
سيد قطب |
و في حين ينسب الى سيد قطب تأسيس العنف و الارهاب الاسلامي و كذلك فتاوى ابن تيمية عن التكفير و التترس و لكن الواقع العملي يشهد بأن تكوين التنظيمات الخاصة للاخوان التي مارست العنف و اسست لاول انقلاب عسكري في مصر كانت قبل تعرف الاخوان على سيد قطب و تعرف سيد قطب على الاخوان و نجد في تبرير و تسويغ محمود الصباغ في كتابه "حقيقة التنظيم الخاص" و كذلك محمد عادل كمال لا نجد اي اثر لفتاوى التترس او التكفير المنسوبة لابن تيمية حتى في تبرير مقتل المدنيين غير المستهدفين في نطاق عمليات الاغتيال السياسي او التفجيرات و التي اقروا دون اهتمام بمقتل العديد من غير المستهدفين و قد عبر عادل كمال عن شئ من الاستياء لعدم قيام الاخوان بدفع الدية الشرعية لذويهم و لكن محمود الصباغ تحدث عن ان الدولة دفعت تعويضات من خزينة الدولة و بما ان الاخوان مواطنين مصريين و لهم نصيب في تلك الخزينة لذا تعد الدولة هنا قد اسقطت واجب الدية الشرعية عن الاخوان و لم يظهر في معرض تبرير و تنظير الرجلين اي اثر يذكر لا لفتاوى ابن تيمية السابقة زمنيا و لا لافكار سيد قطب اللاحقة زمنيا
و خلاصة وجهة نظري ان سيد قطب كان اديبا و مثقفا مصريا له رحلته الفكرية و الثقافية الطويلة و المضطربة انتقل بين الافكار و النظريات و كان الاخوان اخر محطاته و ان افكاره عن المجتمع الجاهلي و العصبة المؤمنة و اعادة حكم الاسلام مجرد تسويغ و تبرير و دعاية و تسويق لما كان موجود بالفعل على الارض و منتشر في عدة بلدان عربية و في شبه القارة الهندية قبل ان يعرف الاخوان و يعرفوه
فإن كان سيد قطب كان مجرد محاميا و مسوقا لافكار الاخوان كما فهمها فإن حسن البنا هو المؤسس الحقيقي و الفعلي لجماعة الاخوان و تنظيماتها الخاصة و نظرتها للمجتمع و عزلتها الشعورية عنه
تعليقات
إرسال تعليق