عن تجربة الغضب الديني
انا شايف نفسي ان تركيبتي الاصلية اللي بقيت مش عارف ارجع لها بشكل كامل لغاية النهارده اني ماليش دعوة بحد بالذات في سلوكه الشخصي وان حماسي للاشياء والافكار يكون معتدل "مزاجي في طفولتي حتى الطفولة المتاخرة كان كده "
لكن في سنوات المراهقة حاسس ان السوفت وير اللي ركب على دماغي في فترة المراهقة ثبت كثير من سمات المراهقة ربما الى الان في وفي ملايين اخرين
في اواخر الثمانينات واوائل التسعينيات كان موضوع الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ده و مسئولية المسلم عن تغيير المنكر حديث متداول في خطب الجمعة بتاعة الازهر والاوقاف وحلقات المساجد "الاخوانية غالبا" ومدرسين التربية الدينية والعربي
حتى المسلسلات الدرامية كان دايما فيها المعنى ده وان كان بشكل مش ديني "ابو العلا البشري مثلا"
وانا فاكر كويس جدا وانا باسمع لخطيب اوقاف ازهري مش جماعات ولا حاجة كيف اني مسئول عن تقويم افعال الاخرين وان الله لن يتقبل عملي ولن يستجيب دعائي طالما لا اقوم بفريضة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وكان داخلي صراع نفسي رهيب وانا باتخيل نفسي مشتبك مع كل حاجة غلط موجودة في الواقع "ايام ما كانت الصور والموسيقى وبنك الحظ حرام" وانا كنت عاوز اصرخ ليه يا رب بتؤاخذني بذنب غيري
وفاكر كويس كيف كنا نلقن في حلقة مسجدية اخوانية كيف ان ملائكة العذاب امرت بخسف قرية فلما سالوا الله :ماذا عن عبدك فلان فانه قائم ساجد فاجابهم الله ان يبدأوا به العذاب والخسف لانه رغم صلاحه فانه لم يكن يتمعر وجهه من معاصي قومه
وكان الكلام كله وقتها عن التحذير من الف المعصية وكيف تدرب نفسك على الغضب الدائم لكل ما يخالف الشرع وكان التخفيف انك ان لم تستطع الاشتباك مع المنكر فعليك ان تغضب وتعتزل فاعل المنكر
وطبعا مراهق متدين في مدرسة ثانوي تفتتح الاذاعة بتحية العلم "كان منكر وقتها ومظهر من مظاهر الشرك" وطلاب يستخدمون الفاظ بذيئة وشغب وصور واغاني وحديث عن الفن او الجنس ومدرسين غير ملتزمين "غير متشددين يعني"
فكان على المراهق المتدين ان يظل غاضبا ليري الرب انه متمعر ومعتزل كل المنكرات وفاعلي المنكرات من اجله
واللي زاد وغطا بقى انك لازم تدل على الخير وتاخذ ثواب على نشر الدعوة وان العمل للاسلام والتمكين له فريضة شرعية ياثم تاركها وان كان غير مؤهل فذلك ليس عذر اللي مش مؤهل يتاهل
وبالتالي انت معتزل المجتمع شعوريا وبتحاول كل يوم تخطف واحد من المجتمع الكبير المخالف وتضمه لمعسكرك المسلم كما ينبغي ان يكون المسلم
فعندما تكون غاضب ومندوب مبيعات في نفس الوقت ومعاك كمان ارث عاطفي ومسئولية تاريخية عن الاندلس السليب وفلسطين الجريحة و مسلمي البوسنة ومسئولية عن العمل لاستعادة خلافة تحالف الغرب الصليبي والشرق الشيوعي لاسقاطها وبالتالي انت عاوز الكل يصطف ولا صوت يعلو فوق صوت المعارك الكبرى فلا مكان الا للاسئلة التي تتعلق بالخطوات العملية المباشرة لمنع المنكر والتمكين للاسلام
وبالتالي اي تصورات غير التصور الموجود في ام السوفت وير المعفن ده لازم تنسف وتواجه ويردع قائلها
واذا كان الله الذي اعتاد ان يطلب منك المستحيلات والمتناقضات "وفق ذلك الخطاب الديني" فانه كما كلفك بالغضب الدائم وتمعر الوجه الدائم فانه ايضا كلفك بالتبسم والتهذب ولين القول
وبالتالي انت مطالب بابتسامة بلاستيك وقلب متقد وعقل مندوب مبيعات يريد ان يستغل اي موقف ولو كان الحديث عن تاخر قطر او مباراة كرة قدم لتصل به في النهاية لاثبات ان الاسلام هو الحل وان القطارات لا تتاخر في الاسلام وعن احراز الاهداف في الاسلام
:)
وحتى بعد ان تتخلص من ثلاثة ارباع هذه الحمولة الشاقة فتبقى كثير من هذه السمات الشخصية ولو باثر القصور الذاتي
ومن المضحك انني حاليا وبعد تفشي ظاهرة الالحاد "اللادينية" اصبحت اميز الملحد من خلفية اصولية عن الملحد من اصل غير متدين من خلال حماسه في نشر الالحاد
فتجد الملحد الذي كان منتميا لجماعة اسلامية تجده كما لو كان مؤمن بثواب الملحد على نشر الحاده وتجده مهتم بتصحيح مفاهيم الالحاد :)
القصد هنا ان خطابا دينيا انتشر واثر في وجدان وعقول الملايين جعلهم مسئولين عن تحصين عقولهم ضد التفكير الابداعي والنقدي و قصر دور عقولهم على اثارة التعجب الذاتي من المعجزات المروية او المناظر الجميلة الموجودة بالفعل في الطبيعة وكلما كانت مصمصة الشفايف من القلب و كلمة سبحان الله سابقة التجهيز طالعة من الشمخ الجواني كلما كان الايمان عميقا
وليس التحصين العقلي الذاتي فقط هو المطلوب بل نشر ذلك التحصين في المجتمع فان لم يستطع فعليه بتحصين اهل بيته فذلك اضعف الايمان
عارف اني طولت ومحرج من حجم الرد لكن اهي فرصة للفضفضة
تعليقات
إرسال تعليق